لم يَدَّعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ القرآن من تأليفه، ولا نَسَبَهُ لِنفسه، ولكنه أخبر أنه وحيٌ أوحاه الله إليه، نزل به جبريل عليه مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة.
وأكد الله تعالى هذه الحقيقة في القرآن الكريم، إذ قال: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)" [سورة الأنعام: آية 19]، " كما نفى عنه أية صفة أخرى غير صفة الوحي: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [سورة النجم: آية 4]،(قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ) [سورة الأعراف: آية 203]، وقال: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) [سورة يونس: آية 15].
ولا ريب أن موضوع الوحي أمرٌ غيبيٌ، لا يمكن للبشر أن يدركوا حقيقته بحواسهم، أو أن يكشفوا عن طبيعته بعقولهم المجردة، ولهذا فإن المصدر الوحيد الصحيح لمعرفة حقيقة الوحي هو القرآن المُنَزَّلُ من عند الله، و رسولُ الله الذي نزل عليه الوحي، وقد تحدَّثَ القرآن عن الوحي، وبيَّن أنه ليس من شأن البشر التلقي عن الله تعالى مباشرة، حين قال: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) [سورة الشورى: آية 51- 53].
وتكرر نزولُ جبريلَ عليه السلام بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثٍ وعشرين سنة، وكانت نتيجة ذلك نزول هذا القرآن العظيم، فقد كان رسول الله يحفظه حين ينزل عليه، ثم يأمر بكتابته، ويُعلِّمه أصحابه، فكان منهم من يحفظه كُلَّه، ومنهم من يحفظ بعضه، ثم كتبوه في المصاحف، وجمعوا بين حفظه في الصدور، وتدوينه في السطور.